الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

غيبة مقنّعة بثوب المزاح

الصخرية والطقطقة على اللاعبين

✍️ ناصرمضحي الحربي 

في زمنٍ صارت فيه الرياضة مادة يومية للحوار العام، ومنصات التواصل ميدانًا مفتوحًا لكل رأي وتعليق، برزت ظاهرة “الصخرية” أو ما يُعرف شعبيًا بـ”الطقطقة” على اللاعبين، حتى غدت عادةً رائجة تُمارس باسم الدعابة، وتُغلف أحيانًا بروح “المدرج” أو “التشجيع”. لكن ما يغيب عن أذهان كثيرين هو أن هذه الممارسة ـ وإن غُلّفت بروح المزاح ـ قد تقع في دائرة الغيبة، بل وتصل إلى التنمر العلني، وهو ما يحذر منه الشرع والعقل والمنطق السليم.
الطقطقة في السياق الرياضي هي إطلاق التعليقات الساخرة على أداء لاعب أو فريق، وقد تتعدى ذلك إلى الشكل أو الشخصية أو الحياة الخاصة. وتنتشر هذه الظاهرة عادة بعد خسارة فريق أو هبوط مستوى لاعب معين، حيث تنهال التغريدات والمقاطع والتصاميم الساخرة دون مراعاة لمشاعر الشخص المستهدف، وكأن اللاعب ليس إنسانًا من لحم ودم، له أهل وأبناء، وله قلب يحزن ويضيق. الإشكال ليس في النقد الرياضي البناء، بل في الانتقال من تقييم الأداء إلى تسفيه الشخص، ومن مناقشة فنية إلى هجوم شخصي لا يخلو من قسوة وتجريح.
قال الله تعالى: “ولا يغتب بعضكم بعضًا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه…”، وقال النبي ﷺ: “ذكرك أخاك بما يكره”. فلما سُئل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: “إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه.” فإذا كنا نردد في المجالس أو نكتب على “تويتر” أو نصمم صورًا ننتقص بها من اللاعب الفلاني، فنحن واقعون في الغيبة ـ وإن ظننا أننا “نمزح” أو “نرفّه” عن أنفسنا. بل إن ما يسمى “الطقطقة الجماعية” يفتح بابًا خطيرًا من التطبيع مع السخرية، حتى يأنس بها الجيل الناشئ ويعدّها ضربًا من الفطنة وخفة الظل، مع أنها في حقيقتها تجريح معلن وتحقير مؤذٍ.
اللاعب المحترف يتقاضى أجرًا نظير أدائه، نعم، لكنه لا يبيع كرامته أو إنسانيته. وله حق على الجمهور كما للجمهور حق عليه. ومهما كان مستوى اللاعب متدنيًا، فله الحق في الاحترام، والنقد يجب أن يُوجّه بلغة تراعي الأثر النفسي ولا تنحدر إلى القسوة. كم من لاعب انهار نفسيًا بسبب موجات السخرية؟ وكم من شاب يقرأ هذه “الطقطقات” ليتعلم أن السب والتجريح هو أسلوب التعبير السائد؟
لسنا ضد روح التنافس الرياضي، ولا ضد المزاح البريء الذي لا يَسخر من الأشخاص. لكننا ضد أن تتحول الرياضة إلى منبر للغيبة والسخرية. من حقك أن تعبر عن رأيك، لكن ليس من حقك أن تهين أو تُحرج أحدًا. من حقك أن تغضب من خسارة فريقك، لكن ليس من الأخلاق أن تجعل من لاعب ما أضحوكة قوم.

ختامًا، فإن الرياضة في جوهرها تهذيب وسلوك، لا انزلاق إلى مهاوي الأخلاق. وإنّ من تمام الرجولة ـ بل ومن كمال الدين ـ أن نُراعي حرمة الناس، ونُحسن الظن، ونُقدّر المشاعر. فاللاعب إن أخفق اليوم، قد ينجح غدًا، لكننا إن فقدنا الأخلاق، فبماذا ننتصر؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى